على الجميع أن يدرك أنه لا يوجد مرض نفسي يدعى الجنون، و تعدُّ هذه الكلمة من أكثر العوامل التي تنفر الشخص من مراجعة الأخصائي أو المرشد أو الطبيب النفسي؛ بسبب خوفه من أن يطلق عليه لقب "المجنون"، فالمستشفى النفسي هو المكان الذي يتواجد به "المجانين" و من يتردد على مراكز أو مستشفيات العلاج و الإرشاد النفسي يطلق عليه لقب "مجنون"! ولا يسلم المعالج الفسي من هذا الأمر بل يطلق عليه لقب "دكتور المجانين"!.

يذكرني ذلك ببعض الأفلام القديمة التي كانت تبث أفلاماً -للأسف بعيدة كل البعد عن تصوير المرضى النفسيين و المعالج النفسي- بصورة مريبة؛ إذ إن الإعلام للأسف لعب دوراً كبيراً في الماضي في تصوير المعالج النفسي بأنه مضطرب، و ذو شكل غريب، و كلامه غير مفهوم!، على الناس أن يدركوا أن المعالج النفسي على درجة عالية من الصحة النفسية، و هو لا يشبه ما كانت الوسائل الإعلامية في السابق تبثه، فالمعالج النفسي قد قام بدراسة علم النفس و النظريات التي تفسر الكثير من سلوكيات البشر، و هو أقدر شخص على مساعدتك و فهم ما تعانيه، كما أن علمه هذا يمكنه من فهم الأمور بشكل أفضل من الآخرين، بناء على ما تعرض له من خبرات علمية وعملية.

و من الأفكار المغلوطة حول المعالج النفسي، أنه عندما يراك سيتمكن من قراءة أفكارك كلها، كما أنه إنسان مخيف مريب!، بالتأكيد أي واحد منا كدارسين و أخصائيين في علم النفس قد مررنا بتجارب كثيرة أثناء دراستنا، فمثلا عندما يسألك أحد الأشخاص ماذا تدرس، وأجبته أنك تدرس "علم النفس"؛ ستشعر بأن ملامح وجهه قد ملئها الدهشة و الحزن، و تراه يرد عليك دون تردد "لماذا فعلت ذلك حتماً ستُجن!" أو "أنا خائف عليك من أن تصاب بالجنون!" و بالتأكيد يطلبون منك تحليل شخصياتهم فور معرفتهم أنك تدرس علم النفس، و إن لم تجب فأنت شخص مشكوك بأمرك و حتما أنك لا تفقه شيئا بعلم النفس المتعارف عليه بين جميع الناس.

لذا رغبت بتوضيح بعض الحقائق عن المرض النفسي و علم النفس و المعالج النفسي، وهي كالآتي:

1-  بالحقيقة ليس هناك معنى لكلمة جنون و مشتقاتها في علم النفس؛ فكلمة جنون لا تعبر عن وصف لاضطراب أو حالة مرضية معينة.

2- يعني علم النفس باختصار: بأنه الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، و خصوصا الإنسان؛ و ذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك و تفسيره و التنبؤ به و التحكم فيه، و يعرف أيضاً بأنه العلم الذي يدرس السلوك سواءً كان هذا السلوك ظاهراً أو باطناً؛ فهو يدرس السلوك الظاهر كالأفعال التي يقوم بها الفرد، و السلوك الباطن كالتفكير و التخيل و التذكر. (للمزيد: الطبٍّ و الخيّال، كيف تُـنمَّى الذكاءات المتعددة لدى الأطفال؟).

3- هنالك العديد من التخصصات في علم النفس؛ فمنه علم النفس الاجتماعي، و علم النفس الإكلينيكي، و علم النفس الصناعي، وغيرها و لا يعمل جميع الدراسين فقط بالمستشفيات أو مراكز العلاج النفسي.

4- المعالج النفسي لا يعطيك وصفة جاهزة عندما تزوره؛ فهو لا يقول لك لا تفعل كذا، أو يجب عليك فعل أمر ما، و لكن يعالج كل شخص حسب بيئته و نمط حياته و ما يراه هو نفسه مناسباً، و هنالك العديد من الأساليب العلاجية المستخدمة، ويختار المعالج النفسي ما يلائم المريض.

اظن اني احتاج لاستشار ة مختص في العلاج السلوكي المعرفي لكن لا استطيع فعمري فقط17 و عائلتي لن تتقبل هذا الامر فهل هناك حل اخر و شكرا

5- المعالج النفسي لا يفشي أسرارك لأحد؛ و هو لكثير من الناس يقولون لم نستفد شيئاً من زيارة المعالج النفسي، فعليك العلم أن العلاج النفسي لا يتضمن جلسة واحدة فقط؛ فبعقلنا البسيط لو فكرنا أن طفلا عمره 10 سنوات، لديه إحدى السلوكيات المرغوب بتعديلها أو غير ذلك، هل من الممكن أن يتغير هذا السلوك الذي تكون على مدى 10 سنوات بليلة وضحاها؟ بالتأكيد لا.

6- لا تيأس إن لم تشعر بالراحة لمعالج نفسي معين؛ فمن الممكن أن تشعر براحة أكبر مع غيره، فهنالك عدة عوامل تؤثر بذلك، مثلما أنك ترتاح بالجلوس مع أحد الأشخاص دون غيره و لكن بالتأكيد المعالج النفسي يكون أكثر قدرة على خلق الراحة وعلاقة ربط بينك وبينه.

7- بعض الناس يفسرون الاضطرابات النفسية على أن أجسادهم تسكنها أرواح شريرة،أو شيطانية، كما يلجؤون لرجال الدين للعلاج. عليك معرفة أن لا دخل بالأرواح الشريرة في ظهور الاضطرابات النفسية، والشخص المؤهل في مساعدتك هو فقط المعالج النفسي. (للمزيد: الاضطرابات النفسيه خلال فتره النفاس ودور الهرمونات في ذل، إضاءة على الاضطرابات المزاجية عند الأطفال).

8- المعالج النفسي يؤمن بما نطلق عليه في علم النفس "التقبُّل غير المشروط" و هذا يعني أن المعالج سيتقبلك كما أنت و لا يهمه عرقك ولا دينك أو اتجاهاتك و ميولك الجنسية و غير ذلك تعتمد تسمية الأمراض النفسية على وجود مجموعة من الأعراض التي تسير في اتجاه واحد أو متقارب، فمن المتعارف عليه بين الناس عندما يصابون بالزكام تحدث لديهم بعض الأعراض كسيلان في الأنف و احتقان في الحلق و زيادة درجة حرارة الشخص و غيرها، هكذا هي الاضطرابات النفسية أيضاً، و لكن بشكل أقل وضوحاً من الأمراض العضوية فنحن نقوم برصد مجموعة الأعراض التي يعاني منها الشخص و من ثم إعطاء التشخيص المناسب و لا نتسرع بذلك، و من الممكن أيضاً أن يعاني الشخص من اضطرابين نفسيين أو أكثر في نفس الوقت.

9- ليس عيباً أن تصاب باضطراب نفسي؛ فالمرض النفسي مرض كأي مرض آخر، فهل من العيب أن تتعالج ؟، بل من العيب ألا تسعى لأن تثقف نفسك، و عدم محاولتك مساعدة نفسك أو أقرب الناس إليك بإيجاد العلاج.

اقرا ايضاً :

هل اختبار الذكاء التقليدي كافٍ لتشخيص صعوبات التعلم؟

أرجو أن أكون قد استخدمت لغة بسيطة في إيصال الرسالة حول المرض النفسي و مهمة المعالج النفسي،  تمنياتي للجميع بصحة نفسية جيدة.